مادة فكرية سياسية كتبها الشهيد أبو عمر حنا ميخائيل سنة ١٩٧٣
إن مشاركة المرأة في النضال الوطني والثوري واندفاعها لا يمكن أن ترتقي إلا إذا نظمت عفوية الجماهير من خلال أطر تبلور حس الجماهير وتنظم وتوجه اندفاعها. وهذه الأطر هي التنظيمات السياسية والجبهات التي توحد جهد مختلف التنظيمات (منظمة التحرير) والتنظيمات الشعبية المختلفة.
و نجاح العمل المنظم يعتمد على القدرة على ربط الوعي بالممارسة وعلى تجسيد الوعي في الممارسة و إغناء الوعي عن طريق الممارسة. وأن الانتقال بوعي جماهيرنا من الأيدلوجية التقليدية السائدة إلى وعي سياسي علمي عملية تاريخية شاقة وطويلة.
فالمرأة تأثرت بالتقاليد السائدة التي تحدد أن المنزل مجال نشاط المرأة الأساسي أو الوحيد، وأنها وإن شاركت في الرعي والحقل فلا مجال لها في السياسة والحياة العامة. و في كثير من الأحيان لا تزال المرأة تتبنى هذه النظرة لنفسها. فالمرأة قد أخضعت لتربية اجتماعية ترسخ تفوق الرجل عليها وقانونية دورها. تربية تعتبر إن دورها هو الأمومة والاهتمام بالبيت فقط، فكان من الطبيعي أن تعتبر العمل السياسي النضالي هو للرجال فقط ومساهمتها فيه طارئة وطفيفة تنتهي عند الزواج.
و حتى لو تحررت المرأة من هذه النظرة لنفسها فثمة الأهل والجيل القديم الذي يتمسك بشدة بالتقاليد التي نشأ عليها …و التي تحدد أن مكان المرأة هو البيت … ولهذا على المرأة أن تناضل لتكسب ثقة أهلها وموافقتهم على اشتراكها في النضال العام.
أما بالنسبة لجيل الشباب الذي يتحرر من التقاليد القديمة فغالبًا ما يتمسك بأفكاره بالنسبة للمرأة ودورها أو يردد فكرًا جيدًا لا يصل مستوى القناعة فيتناقض في كثير من الأحيان مع الممارسة لأن ممارسة الأفكار الجديدة تتطلب تخليًا عن بعض الامتيازات التي يتمتع بها الرجل بالنسبة للأعمال المنزلية والعائلية.
كذلك تعتمد مشاركة المرأة في السياسة على المجال المفتوح لها للمشاركة في الإنتاج ومن المعروف إن هذه المشاركة غير متاحة إلى حد بعيد في ظروف تشردها والنظام الاقتصادي السائد في لبنان.
إن العمل المنظم بالنسبة للمرأة يتأثر بنمط الحياة الاقتصادية الذي تشارك فيه المرأة، إن حياة البطالة والعمل غير المنتظم وتأخر الصناعة… كل ذلك يؤثر في نمو العمل التنظيمي.
أما مواجهة هذه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية فيعتمد على وعي الكوادر القيادية وقدرتها على الخلق والابداع والقدرة على إيجاد مؤسسات ثورية جماعية لحل مشاكل المرأة (مثل رياض الأطفال، دور .الحضانة، والمطابخ الجماعية)
ففي معظم التنظيمات لم تعر التنظيمات المرأة اهتماما كافيًا أو كانت تهتم بمجرد المشاركة الشكلية للاعلام وللدلالة على التقدم والثورية. إن كثير من الأدبيات حول قضية المرأة ومشاركتها هي ترداد لأفكار جامدة بعيدة عن الواقع الملموس لشعبنا، أو إنها تطرح الأهداف النهائية للمساواة دون القدرة على معالجة الحاضر والسير خطوة في اتجاه الهدف.
إن الثورة بالرغم من تفريغها الآلاف من الأخوة لم تفرغ إلا اليسير من الأخوات وغالبًا لعمل مكتبي وليس تنظيميًا كذلك لم تعر الثورة اهتمامًا كافيًا ببناء الكوادر من المخيمات اللواتي بحكم وضعهن أقدر على قيادة العمل من الأخوات القادمات من خارج المخيم من الفئات البرجوازية الصغيرة.
إن الكوادر القيادية غالبًا لا تشجع الأخوات أو الزوجات على المشاركة في العمل النضالي، فلا عجب أن هذه الكوادر لا تقوم بتثقيف الأخوة في التنظيم على أهمية مشاركة المرأة ودورها، أو تعظ أو ترشد ولكن دون جدوى في غياب ممارستها الجادة. في مثل هذه الظروف على الكوادر النسائية أن تتحمل العبء الأكبر في عملية التوعية والتثقيف والتنظيم وعليها أن تناضل داخل التنظيم من أجل حقها في المشاركة.
إن البداية دائما صعبة وتتطلب مستوى عال من الوعي والمبادرة وبعد ذلك تصبح المشاركة العامة سهلة.
بعد اجتياز حاجز البداية الصعبة يمكن للمرأة أن تواجه مشاكل المشاركة ،مشاكل البيت والأطفال وحلها عن طريق التعاون والعمل الجماعي ويبقى نضال المرأة و تطوره منوط بالعمل السياسي العام والوضع التنظيمي العام و لا يمكن أن يعالج بمعزل عن نمو العمل الثوري و قدرة الثوار على تجذير مواقفهم وتجاوز العقبات والثبات على الرغم من التعرجات والصمود في وجه محاولات التسوية والتصفية.