شجّع حرّية الصحراء الغربية

احتدم الجدال مؤخرًا في فلسطين حول تشجيع منتخب المغرب في كأس العالم. وبقي ذلك النقاش كما جرت العادة مقتصرًا على منصات ودوائر محدودة. الجهل بقضية الصحراء الغربية في فلسطين عميق لسببين.

أولًا اندحار الفصائل الثورية وضعف الأطر التثقيفية داخل بنى الأحزاب وفصائل المقاومة الباقية اليوم. وحيث كانت شبكات التعاون الثوري واسعة في فترة الستينات والسبعينات، اقتصرت اليوم إلى داخل حدود فلسطين المحتلة. ومشاعر التضامن، والدعم المادي الموسمي الذي يسيطر على علاقة الفلسطيني بباقي العالم هو بعيد عن مفهوم الشراكة الثورية كل البعد، وبتركيبته يرجح أصوات تنطلق من مراكز الهيمنة على الموارد، وذلك يهمش الصحراء الغربية والصحراويين أكثر.

وثانيًا، لأن الدولة التي تحتل الصحراء الغربية هي دولة عربية، ورغم معاداة نظامها للشعب الفلسطيني وصداقته مع العدو الصهيوني، إلّا أنا أواصر المعزّة والصداقة القوية بين الشعب الفلسطيني وشعوب المغرب العربي بشكل عام يزيد من حساسية اطلاق أوصاف – هي حكر بالامبريالية الغربية – على هيمنة الدولة المغربية على الصحراء ، كاستعمار واستيطان واحتلال. الكثير من المغاربة هم واعون لطبيعة العلاقة الاستعمارية بين الدولة المغربية والشعب الصحراوي، فعلى النطاق الشخصي مثلًا، كل أصدقائي المغاربة يعتبرون الهيمنة المغربية على الصحراء استعمار. ولكن يبقى معظم الشعب المغربي المفقّر من النظام والذي يعيش تحت نيره متأثر بسردية النظام المغربي الذي يستغل ويؤجج المشاعر القومية والوطنية.

لا داعي لأن أسرد هنا التاريخ الاستعماري في الصحراء من جديد، لأن هذه المقالة التي كتبتها ناشطة صحراوية تكفي وتوفي. ولكن المهم هو التذكير بأن استعمارالصحراء الغربية من قبل المغرب بدأ بما يسمى المسيرة الخضراء حيث أرسل الملك حينها عشرات آلوف المغاربة المدنيين في مسيرة استعمارية نحو الصحراء كغطاء للغزو العسكري وتشتيتًا للانظار عن حالة الافقار الذي كانت تتفاقم في المغرب. وعودةً لخطابه، يعبر بوضوح عن النوايا الاستعمارية وليست الوحدوية أو التحررية لتلك المسيرة، فقد أمر المغاربة بحضن المستعمر الاسباني وتقاسم المأكل والمسكن معه، وقتل صاحب الأرض الصحراوي.

إذا، فالهيمنة المغربية على الصحراء الغربية ليست عمل وحدوي، فلا تكون الوحدة هكذا. الشعب الصحراوي له حق في تقرير مصيره في الساقية الحمراء ووادي الذهب (الصحراء الغربية). رغم حساسية المصطلحات وطبيعة علاقتنا مع الشعب المغربي، ولكن تلك الهيمنة هي هيمنة استعمارية، بكل ممارساتها. فالنظام المغربي قام بنقل مجموعات بشرية من مدن المغرب إلى الصحراء الغربية واحلالهم مكان السكان الأصليين للسيطرة على موارد أرضها وبحرها. ولكنها ليست استعمار تقليدي، حيث أنه شراكة استعمارية. فرغم أن من يقوم بالسيطرة والهيمنة والتطهير العرقي هو النظام المغربي بعناصر بشرية مغربية، ولكن دولة المغرب هي شريك بنسبة من الموارد المنهوبة – الفوسفات والثروة السمكية الهائلة بالاساس. ولكن الناهب الرئيسي هي الامبريالية الغربية من خلال الشركات الاسبانية والفرنسية والأمريكية -وحتى الكيان الصهيوني.

فلا تساهم تلك الموارد المنهوبة في اغتناء الشعب المغربي، بل أشخاص معينون فقط في المغرب والباقي يدعم اقتصاد شعوب أوروبا. لذلك فإن الشعب المغربي مجهّل بقضية الصحراء ويتم استغلاله وافقاره وقمعه. ورغم تأييد الكثيرين معنويًا لذلك الاستعمار، وخاصة الجيل الأكبر، ولكنه بعيد عن كونه شعب استعماري – بخلاف الكتلة الاستعمارية المغربية المتواجدة في الصحراء. ولكن ذلك بطبيعة الحال لا يعفِ أحد من التزامه الأخلاقي ومساهمته لو المعنوية في ارساء الهيمنة الاستعمارية في المغرب. وسواء أن أسميناه احتلالًا أم استعمارًا أم هيمنة أم وكالة للاستعمار، فإن موقفنا الذي يجب أن نلتزم به كفلسطينيين هو الدعم المطلق غير المشروط لحق تقرير المصير للشعب الصحراوي في وطنه، كل وطنه.

فرغم أنني أكن معزّةً وحبًا كبيرًا للشعب المغربي، وأعلم أن انتصارًا في كرة القدم قد يفرح الجماهير التي لا تملك منفس لابتسامة سوا انتصار في تلك اللعبة البائسة، ولكني لن أشجع المغرب أكثر لتلك الأسباب. أولًا، لو ربحت المغرب أي ميدالية في كأس العالم، فإن من سيستغل ذلك النصر هو النظام للترويج لسياساته الشريكة للاستعمار في الصحراء وفي فلسطين. ثانيًا، وصلني هذا الفيديو لغناء مجموعة من لاعبي المغرب إشادة باستعمار الصحراء ولا أستطيع غض الطرف عن ما سمعت وشاهدت. ثالثًا، لأنني أعلم يقين العلم أن المستعمرين في الصحراء الغربية سيعيثون في العيون المحتلة قهرًا بالصحراويين. وكفلسطيني أنا أعلم تلك الحالة جيدًا. وأعلم ذلك القهر جيدًا. ورابعًا، الفيفا هي مؤسسة غربية امبريالية لا يهمها سعادة وحرية الشعوب ولكن صناعة الأرباح لمستثمريها. فكرة القدم التي ترعاها هي ليست سوا وهم وأفيون شعوب.

بطبيعة الحال، لا يعني ذلك أنني سأشجع المستعمر الفرنسي، أو الأرجنتين التي باتت هي والكثير من نجومها في كرة القدم كميسي ينسجون صداقات وعلاقات قوية مع الصهاينة في السنوات العشر الأخيرة. ويساهمون في الترويج لهم. وأيضًا لن أهاجم الفلسطينيين الذين سيبتهجون ويحتفلون بانتصار المغرب، فالذي قد لا يعلمه من هو خارج فلسطين، فإن تلك الاحتفالات تتحول لمناسبات اشتباك مع العدو كما حدث في باب العامود وفي النقب ومناطق أخرى، واليوم أرسل الاحتلال تعزيزات عسكرية -خاصة إلى النقب- لمواجهة الفلسطينيين في حال انتصار المغرب.

وذلك للأسف تعقيد الحالة التي نعيشها.

ولكن دوري ودور كل فلسطيني يعي تلك التعقيدات هو خلق عمل ثوري يكسر رضوخنا لتلك المناسبات الموسمية البائسة ويكسر ارتماءنا بين أيدي كل من فتح لنا ذراعيه. دورنا وواجبنا خلق عمل ثوري لا يخضع سوا لمراهنات ثورية وضوابط أخلاقية يحدده هو. فلا يكون تحرير فلسطين إلّا بذلك. ومن فاته قطار تحقيق ذلك الحلم، فليمد جسده على أرضٍٍ حمراء جسرًا ليعبر عليه من سيأتي بعده.

الحرية للصحراء الغربية والحرية لفلسطين..قريبًا جدًا.

علم الصحراء الغربية

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s