هي قرة عيني التي لا تعجز عن رسم ابتسامةٍ في قلبي، أهدتني فاندو الجميلة ذلك الديوان الذي بحثت عنه طويلًا، ديوان هارون هاشم رشيد، وأعتقد أني أعلم كيف سأمضي أيامي القادمة، أقلب تلك الصفحات. وسأشارك الكثير منها هنا، ولكن أول ما اشارك هو إهداء لقرة عيني فاندو.

تجمعنا القدس التي تحبين وأحب. يقولون أن ما نحب يشكل أرواحنا، لذلك تَدْفَؤُ روحي إلى روحك كلما اقشعرت بردًا. لا أعبر لك كثيرًا لأني كذلك، ولأن فلسطين كذلك، وقد يأتي يومٌ تنهار فيه جدران الاستعمار من أنحاء أرواحنا وتسمح لنا أن نحس ما نستحق ونعيش كما نستحق. هو يقين سنسعى له وليس حلم ننتظره. تعلمين أنك منذ خمسة عشر شهرًا لا تتوقفين عن رسم ابتسامتي.

أهديك أول القصائد من ديوان “أحبك يا قدس”، ولا أجد أصدق من كلمات تغني القدس لتعبر لك بمجازاتها، فهي مستقر الروح، فإليك تلك الكلمات:

أحبك يا قدس، لا تسأليني
لماذا، وكيفَ، وماذا أحبُّ؟
فإنّي حملتك جرحًا سخينًا
بأعماق قلبي، ونارًا تشبُّ
أنا عاشقٌ، مدنفٌ مستهام
أنا تائقٌ، ومشوقٌ وصبُّّ

تدبين فيّ، دبيب الدماء
فيخفق باسمك في الصّدر قلب
أحب جبالك تسمو شموخًا
وتختال كبرًا، وتزهو وتصبو
أحبك خضراء، قدسيةً
يطرز وجهك، زهرٌ وعشبُ

أحبك يا قدس، هذا هواي
إليك كشلال نهرٍ يصب
أحب الشوارع أنّى تلفّتُ
أهلٌ على جانبيها، وصحبُ
وأهوى بلابلك الشّاديات
تغرّد فالكون حلوٌ ورحب

أحبكِ أوقد مصباح عمري
لتزهو سماءٌ، وتمطر سحب
وعندك أتركُ روحي تصلي
وتسعى إلى قدميك وتحبو
أعلق قيثارتي في القباب
فينهال وحيٌ، وينهلُّ غيب
وأترك عيني عند المآذن
تهوى إليها نجومٌ، وشهب
أحبك أسكن في جانحيك
يهدهدني فيك، وجدٌ، وحدب

أيا قدس يا دارة الخالدين
ويا وطنًا يفتدى ويُحبُ
أطيرُ إليك صباحًا مساءً
وأحمل اسمك أنّى أدبُّ
أحبك مهما يمر الزمان
ويقلع في عاصف الريح ركب
أغازل فيك نديّ الزهور
وأشرب من عطرها وأعُب
نشأت كما صخرك المقدسي
فؤادي قويٌ وعودي صلب
ترعرعت زيتونة في ذراك
لها في عروقك جذر وخصب

تعلمت منكِ عراكَ الزمّان
وكيف أصدُّ، وكيف أهبُّ
تعلمت كيف يكون الغرام
النقي، وكيف يكون المحب
أحبك يا قدس لا تسأليني
لماذا؟ وكيف؟ وماذا أحب؟

سيزهر لابد يومًا ربيعك
يزهر لا بد يومًا يهبُّ
ولا بد للعاشق المستهام
وإن طال ليلٌ وأظلم درب
بأن يلتقي، بهواه الكبير
فيحلو لقاءٌ، ويزدان قُرب
على صهوةٍ في رياح الفداء
يجيء إليك مع النّصر شعب

تونس ١٩٨٠