سمر في السجن – توفيق زياد
٢٤ حزيران ١٩٦٠
أتذكرُ …إني أتذكر…
الدامون…لياليه المرة ..والأسلاك
والعدل المشنوق على السور هناك
والقمر المصلوب على…
فولاذ الشباك وعيون السجّان الزرقاء..
وشاربه الأصفر
ومزارع…من نمشٍ أحمر
في وجه السجان الأنقر..
أتذكر…إني أتذكر ..
لما كنّا في أحشاء الظلمة نسمر
في الزنزانة…في ((الدامون)) الأغبر
نتنهد مع أقصوصة حب
نتوعد عند حكاية سلب
ونهلل عند تمرد شعب…
يتحرر
ونحدث عن صلف الأقزام..
عن شعبٍ لم يحنِ الهامة للظلّام
عن بطن جائعةٍ..قدم حافية..وعظام
عن عزم يتوثب في وجه الشعب الأسمر
عن أمل في عينيه.. يتنمر..
عن بسمته الأقوى من جوْر الأيام
عن يوم فيه يشبُّ ويكبر
ونحدث عن غدنا الأحمر
عن دنيا.. من حب.. وسلام
وحدائق ..من ورد..من عنبر
وجداول.. من خمر .. من سكر
أتذكر …إني أتذكر…
لما كنا في أحشاء الظلمة نسمر
وربابة (ابراهيم) تُعَمَّر
تحكي عن “عبس”.. عن “عنتر”
عن “عبلة”.. عن سالفها الأسمر
عن “جساس”.. و “أبو زيد” و “دياب”
و “التغريبة”.. والأحباب الغيّاب
عن “البطلين كأنهما جبلين..”
وعن السيف المصقول “أبو الحدين..”
وعن العشاق ..عن الحُب الأخضر!
ويشيبُ الليل على الكرمل..
وتنام ربابة (ابراهيم)…تنام
وينام على “برش” من “ريش نعام.!.”
ونظل نحدّق في ليل الأقزام
وسجائرنا تنفث في وجه الجدران
في صمتٍ.. حلقات دخان
نتحدى القضبان.. ومفتاح السجان
وعيون السجان الزرقاء..
وشاربه الاصفر.
ياشعبي.. ياعود الند..
يا أغلى من روحي.. عندي
إنّا باقون.. على العهد
أسيافًا في كف المجد
لا تصدأ..لا تحني.. بل تردي
لا نرض عذاب الزنزانة
وقيود الظلم وقضبانه
ونقاسِ الجوع.. وحرمانه
إلّا لنفكّ وثاق القمر المصلوب
ونعيد إلى يدك الوطن المسلوب
إلا كي ننتزع الغد من ليل الأطماع
حتى لا تشرى وتباع
حتى..
لايبقى الزورق..
دون شراع
ياشعبي!
لمّ أضاميم الزنبق
واملأ بمذاراه.. هذا الزورق
وانشر أشرعة النور..
والاستبرق
فالبحر الهائج.. ذللناه..
والحلم الأزلي الدّافي..
يتحقق!!
أفكار فلسطيني 