بعد سلسلة من التغيرات السياسية في الأقطار العربية، وتسارع وتيرة سلب أراضي الفلاحين الذين صمدوا في فلسطين والقمع الهمجي لمقاومتهم، بدأت تتبلور أطر سياسية جديدة داخل الأرض المحتلة وكانت أشد ارتباطًا بالأطر النضالية التي بدأت تتكون في مخيمات التشريد خارج الأرض المحتلة. من تلك الحركات كانت حركة الأرض التي أسسها حبيب القهوجي ورفاقه سنة ١٩٥٩ والتي ستكون السبب في نفي حبيب قهوجي إلى خارج فلسطين المحتلة لاحقًا. قبل تأسيس ذلك الاطار، وعقب سلسلة الثورات العربية على الأنظمة الرجعية سنة ١٩٥٨، أنشد حبيب قهوجي في تموز ١٩٥٨ قصيدة، أغنية للنصر عند زيارته لمدينته عكا التي هجّر منها.

عكا تركتك يافعًا والنار ترضع من جراحي
والموج يروي قصة الشعب المتمرد في البطاح
الحانه مأساة حيفا نكست رأس السلاح
وحديثه عن لوعة أصداؤها ملء النواحي
أم سهت عن طفلها وتصيدت خلق الوشاح
وتلفتت وجعودها الشلال في كف الرماح
مجنونة، واللهفة العمياء تحلم بالنواح
عشر مضت وبراعم الأمجاد تخصبها الأضاحي
واليوم جئتك ثائرًا وشفتاي من لهب الكفاح
قلبي جناحاه هوى شعبي كناريُّ الصداح
مدي برأسك فالحديث العذب يزخر في جناحي
مدي بهامك امتي والشمس في وجه الصباح
يا موطني في كل شبر من ثراك حكاية الشعب الكبير
اللد ينطق رملها بخيانة “العبد” الحقير
والقدس مدّت كفها تحنو على الضلع الكسير
والشاطئ المخمور في يافا بأنفاس العبير
أنشودة محمومة الانغام، في سمع العصور
وذرى الجليل ملاحمٌ نقشت على ريش النور
فالقرية الخرساء تومي للكبير وللصغير
أن يقطعوا الأغصان من حقلي ويستلبوا صخوري
أنا غرسةٌ عربيةٌ للقطب قد مُدتْ جذوري
شعبي أبى التشريد فانقضت سيولٌ من سعير
سل “دير ياسين” العذارى الثائرات على الفجور
وقبورنا الخمسين واسمع صرخة القدر الخطير
وطن العروبة في الثرى القافي إلى يوم النشور
خشي العدى من موقد النيران يغلي بالوعيد
فتآمروا فإذا الشرار مبعثرٌ خلف الحدود
وإذا اللهيب مناجل حمراء في زرع حصيد
يا زارع البركان، احصد نقمة الحق العنيد
فالأرض كانت قبلنا جدباء إلا من قيود
هل تنبت الأزهار من نسقي بأعراق العبيد؟ّ
ذابت سلاسل صفتموها من أضاليل الوعود
وتحطمت تلك الرؤوس الناميات على السجود
ومراكب الآمال هاجت في سنا الأفق المديد
مختالة يزهو بها النصر المطرّز في البنود
“وطن العروبة قد تحرّر بالدماء وبالحديد”
وتكشّف الميدان عن شعبي وعن فجر جديد
ينهلُّ عن كوم الورود ورونق العيش الرغيد
عشرٌ مضت..وعيوننا عطشى لشلال السناء
ونراقب الآفاق والآمال في حضن المساء
وحقولنا الخضراء لوّح وجهها فرط العناء
وتطوف كالغرباء في الوطن المعصّب بالاباء
والسجن بين نيوبه جيلٌ نزمّل بالفداء
سل معقل “الدامون” تنبئك الحقيقة بالجلاء
حكموا بأنا قلةٌ سنموت في برد الفناء
الله أكبر!! قبلةٌ!!؟ النجم يخجل في السماء
الله أكبر!! قلةٌ؟ والدهر ينطق بالضاء
وزنودنا السمراء كالفولاذ في باب الفضاء
أبدًا تدقُّ مغالق العتمات في وجه الضياء
“ولنا البلاد وعزّها وفخارها العالي البناء”
والشاطئان الثائران على المهانة والبلاء
الل أكبر!! قلةٌ؟! يا هزأة التاريخ يضحك للغباء
واللاجئون ظعونهم ستعود للوطن الحبيب
نزحت على الأمواج في ليل جحيمي اللهيب
ستعود والفجر الضحوك على ذرى موج الشعوب
من ههنا شمسٌ تطل وينتهي ليل الكروب
وبلهفة سنعانق الأشجار في الحقل الجديب
والدفء يخصب تربه فيمسي في الثوب القشيب
وسيغمر النور الربى وتذوب أحقاد القلوب
ونلمّ أشلاء المآسي الغافيات على الدروب
وترفّ أجنحة السلام الليلكية كالمغيب
فتبشري يا أمتي فالنصر في الشط القريب