عن "أنباء موسكو" لفيتالي ناؤمكين ترجمة صحيفة الاتحاد (١٩ تموز ١٩٧٤)
اشتهر البردوني خارج بلاده بقصيدته التي ألقاها في مهرجان الموصل في ذكرى “أبي تمام”، واختار لها عنوان “أبو تمام وعروبة اليوم” وذلك في سنة ١٩٧١، وأحدثت ضجة كبيرة في الأوساط الأدبية والسياسية لما تتمتع به من مضمون معاد للامبريالية ولسهولتها وجزالة ألفاظها.
ولد شيخ الشعراء اليمنيين سنة ١٩٢٩ في قرية البردون بلواء صنعاء. فقد بصره وهو في الخامسة بسبب إصابته بالجدري هذا الوبال المسلط على الريف اليمني. ولكن البردوني نجح في اكمال الدراسة وصار معلما للأدب العربي ثم مذيعا ومشرفا على البرامج الثقافية بإذاعة صنعاء.


ويقول لي البردوني هذا الانسان العجيب بنشاطه وحيويته: بذلت جهودًا كثيرة لأشق طريقي في الحياة. ألهمني مثال العميان العرب المشهورين: بشار بن برد وأبي العلاء المعري وطه حسين وصالح عبد القدوس وأبي الحصر الحصري.
ودخل البردوني دنيا الأدب كشاعر يغني للشعب. وصورت قصائده الأخرى مآسي الريف اليمني وآلام وآمال الفلاحين ويقول: لقد جعلني شاعرًا احساسي الدائم يما يعانيه الفلاحون في مصائبهم وعذاباتهم وتشربي بفن الشعب. والجدير بالذكر أن الأدب الشفاهي الشعبي أكثر الأشكال انتشارًا في اليمن ولهذا ترى البردوني يستخدم تقاليد وأساليب الشعر الغنائي الشعبي وهو يعتقد بأن الشعر المقفى القريب من الأسلوب الغنائي يمكن أن يغدو شكلًا من الفن شعبيًا وجماهيريًا حقًا، وهو ما يحتاج إليه الشعب اليمني الآن أش الحاجة… بعد أن دخل مرحلة نمو ثقافي مع بداية التحولات الثورية الجذرية في جمهورية اليمن الدمقراطية الشعبية.
قصيدة الهدهد
والموضوع الرئيسي لدى البردوني هو مصير الشعب اليمني الذي تجرع ببسالة ثلاثة آلاف سنة الغصص والويلات، ففي قصيدة الهدهد السادس (سنة ١٩٧٣) يتحدث الشاعر عن الشقاء الذي صبه على الشعب الغزاة: الفرس والأحباش في الزمن الغابر والترك في القرون الوسطى والانجليز في العصر الحديث ويحذر الشعب من “الهدهد السادس” الذي يتأهب للانقضاض عليه وتجريعه كؤوسًا أكثر مرارة إذا لم يرص الشعب صفوفه في النضال بحزم دفاعًا عن حريته.
وفي مقطوعة “إلّا أنا وبلادي” (١٩٦٩) يتغنى الشاعر بوطنه ويعلن اخلاصه المطلق له وقلقه على مصيره.
وسبق أن نشر البردوني أربع مجاميع شعرية هي: “من أرض بلقيس” (القاهرة ١٩٦٢) و
“في طريق الفجر” (بيروت ١٩٦٧) و”مدينة الغد” (بيروت ١٩٧٠) و”لعيني أم بلقيس” (بغداد ١٩٧٣) وهو يعد الآن للطبع مجموعة جديدة بعنوان “قبل الطريق”.
انعقد في عدن في مستهل هذه السنة المؤتمر التأسيسي لاتحاد الكتاب والأدباء اليمنيين حيث انتخب عبد الله البردوني رئيسًا للاتحاد. وكان المؤتمر حدثًا كبيرًا في الحياة الثقافية في اليمن. فقد ضم كل كتاب جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية وفتح آفاقًا جديدة لتطور الأدب اليمني ولا سيما الشعر القريب إلى روح الشعب والعصر.
وقد كتبت جريدة “١٤ أكتوبر” المدنية عن البردوني في عددها يوم ٢٠ مارس سنة ١٩٧٤ فقالت: وشعر البردوني يجسد صوت الثائر اليمني الذي يحتج بصرامة على المظالم الاجتماعية والممارسات السياسية الخاطئة ويحمل على كتفيه متاعب المهاجر اليمني في شتى بقاع الأرض، بنقل كافة أحاسيسه وتطلعاته إلينا في صور آخاذة وتركيب بارع، ويرفع في الوجوه صوتً غاضبًا وحازمًا من أجل الغد المأمول لانسان اليمن الطيب الذي عانى طويلًا ولا يزال يعاني صنوف القهر والعذاب والغربة ويطمح إلى عالم الرخاء والتقدم والسلام.

