التعذيب في زنازين الاستعمار الصهيوني في الستينات والسبعينات

ليس من المستغرب همجية العدو الصهيوني في زنازين التحقيق، فهي ليست إلّا انعكاس لم تمثله منظومته الأخلاقية من انحطاط. وفي نفس الآن، ليس غريبًا على فصائل العمل الفدائي والمقاوم الفلسطيني أن يعاملوا أسرى العدو بطريقة معاكسة لتلك الهمجية. وهي ليست صرعة نيوليبرالية مستحدثة كما يظن البعض. فرغم أن مثال تعامل كتائب القسام مع العدو المحتجز غلعاد شاليط هو الماثل في الأذهان، ولكنها كانت سمة دائمة من يوم تمكن الفدائي المقاتل أبو علي إياد من التخطيط بنجاح لأول عملية أسر لعنصر في ميليشيا العدو تقوم بها الفصائل الفدائية في أول يوم من سنة ١٩٧٠. وبعد عملية التبادل تحدث باسهاب عنصر العدو الذي تم مبادلته عن المعاملة الحسنة من الفصائل الفلسطينية، ودائمًا تحت أصعب الظروف. وتعامل الفدائي ذاك انعكس في عشرات العمليات من السيطرة على الطائرات لعمليات احتجاز الرهائن.

للعودة إلى موضوع التدوين، وحيث كنت أقلب أرشيف الصحف التي صدرت بين ١٩٦٧ و ١٩٧٥، كان الأرشيف يعج بتفاصيل التعذيب في زنازين الاحتلال. وكانت تلك الوسيلة الوحيدة الذي يمتلك الاحتلال للكشف عن خلايا العمل الفدائي – ومجموعات العمل الجماهير – حيث كان يأسر بعد كل عملية المئات من الفلسطينيين وتعذيبهم حتى أن يحصل على معلومة. والذي كان يثير حنقة العدو الصهيوني أنه في كثير من الأحيان كان الفدائي يلقي بقنبلته من وسط جموع الفلسطينيين على دوريات العدو وعند سؤالهم ينكرون أنهم رأوا أي شيء.

كانت أساليب التعذيب غاية في الهمجية وفي كثير من الأحيان ليست ابتغاء الحصول على اعتراف، ولكن بغية إذلال الفلسطينيين لدفعهم لترك العمل الفدائي مخافة العواقب. نعلم اليوم أكثر من أي يومٍ مضى بأنه فشل، ومازلنا نقاتل اليوم نحمل إرث التعذيب ندوبًا في دواخلنا ترتسم خرائط لنا نحو هدفنا فلسطين.

استشهد المئات تحت الوطأة التعذيب، وكانت الصحف تعج بأخبار الاسرى الذين “يتوفون” في الزنازين بسبب “أزمة قلبية” بحسب إدعاء العدو. وكذلك الأمر مع أخبار الأسرى الذين “وجدوا منتحرين” في زنازينهم كفريد الطشطوش من نابلس مثلًا. فإمّا قتلوا تحت سياط التعذيب أم دفعوا للانتحار بأساليب تعذيب مذلة! ومن بقي حيًّا فقد حمل ندوبه وسار، الكثير أصيبوا بحالات نفسية وعقلية مستعصية مثل الشاب ابراهيم قموق مثلًا. وهنا أسرد – مع قصاصات الأرشيف – بعضًا من أساليب التعذيب التي كان يتعرض لها آلاف الأسرى الفلسطينيين في سنوات الستينات والسبعينات.

كان معسكر صرفند من أشهر أقبية التحقيق في فلسطين المحتلة. فتبدأ حفلة الاستقبال بسيل من الضربات واللكمات تؤدي إلى تورمات ونزيف وكسور، لا يعالج لابقاء الأسير تحت وجع تلك الآلام طول الوقت حتى عندما يأخذ “المحققون” استراحتهم. وبعد حفلة الاستقبال كان يعلق الأسير من السقف ويسحب إلى الأسفل (وأحيانًا يعلق الأسير بالمقلوب ورأسه يتدلى) وخلال عملية السحب يستمر الضرب بالسياط على الجسد. وكان يفضل السجّانون الضرب بالسياط على الأعضاء التناسلية، فكانوا يتفننون بأساليب التعذيب الجنسية والاغتصاب.

بعد ذلك، كانت تبدأ جولة أخرى تركز على الاذلال. فكانوا يغمضون عينا الأسير ويكبلون يديه ورجليه بالحديد، ومن ثم يستخدمون السوط لجلده واجباره على الركض في ساحة مليئة بالحفر، ويستمر الضرب بالسوط لاجبار الأسير على القيام بعد الوقوع والاستمرار في الركض. وبعد ذلك تبدأ جولة الكهرباء، حيث يصلون جسم الأسير ورأسه بأسلاك ويوجهون له الضربات الكهربائية وخلال ذلك يسكبون أوعية البول على رأسه وجسمه.

وكان العدو يتلذذ باطفاء سجائره على جسم الأسير خلال الاستجواب. ولم يقتصر التعذيب على الزنازين، فكان المحققون يأتون الأسرى وهم في المستشفيات بعد إصابتهم في الاشتباك، ويحاولون استنطاقهم بالضرب والعنف. ويروي بعض الاسرى كيف أن المحقق كان يضغط على أنبوب التغذية والهواء الذي يمد الأسير المصاب في محاولة لإجبارهم على التوقيع.

يستغل العدو الصهيوني الحساسيات والسياقات الاجتماعية التي تعيش تحت وطأتها المرأة في فلسطين. فأساليب تعذيب النساء تتمحور حول التحرش والاغتصاب الجنسي لدفع النساء إلى ترك العمل الفدائي والجماهيري أو دفع أقاربهن الذكور على منعهن بالقوة من المشاركة.

ومن العرف إدخال الأسيرة إلى زنزانة المومسات الصهاينة، اللاتي بدورهن يستفتحن عملية الإهانة والإذلال بالضرب المبرح وتمزيع الملابس وقص الشعر، قبل أن يعود أحد عناصر الميليشيا لأخذها إلى غرفة أخرى لا تحتوي على منافع لقضاء الحاجة ويبقونها فيها لأيام دون الخروج قبل أن يبدأ التحقيق. ويستهل التحقيق بالركض والضرب والتهديد والوعيد “بالشرف” أو إخراج ما بأحشائها إن كانت حامل، كما هي الحال مع الأسيرة عبلة شفيق طه من القدس.

ولا يكتفي المحقق بالتحرش فقط بل يقوم بالانتهاك الجسدي أيضًا، والذي روته الأسيرتين عائشة ورسمية عودة عن تجربتهما تكرر مع الكثير من الأسيرات. حيث يربط رجلي الأسيرة بكرسي وتضرب طوال الليلة بالفلقة. وصباحًا دون نوم يبدأ التحقيق بالتهديد “بالشرف” والاغتصاب، ويبدأ المحقق بخلع ملابس الأسيرة تارة والضرب على الوجه تارة أخرى. وفي الليل يدخلون عليها الزنزانة ويبدأ الضرب بالسوط بعد تعريتها من ملابسها. وكان يدخل الجلّاد عصاه في أعضاءها التناسلية كما روت بعض الأسيرات.

ولم يقتصر التعذيب الجنسي على الأسيرات فقط، بل طال الأسرى الذكور أيضًا حيث تطابقت روايات الكثير من الأسرى حول قيام المحققين بادخال رصاصة في القفا، والتعرية الكاملة والضرب بعصا على القضيب، وفي أحيان يتم أيضًا تهديدهم بالاغتصاب أو جلب إحدى نساء عائلته كالأم أو الأخت أو الزوجة والتهديد باغتصابها أمامه.

وكان يبتدع السجّان الصهيوني أساليب لإذلال الأسرى، فكانوا مثلًا يجبروهم على الوقوف في الزاوية ورفع رجل ورفع كرسي فوق رأسهم، وإن أنزلوا قدمهم يبدأ الضرب. ويقوم المحققون بربط ما يشبه ذيل الحمار على خلفية الأسير ويجبرونه على المشي على أربعة. ويفرضون على بعض الأسرى أن يقول كلمة “سيدي” عند مخاطبة أي شخص وإلّا ضرب ضربًا مبرحًا. وأحيانًا يجبروا الأسير على السير كسيارة والتزمير “بيب بيب” كما حدث مع الأسير عبد المجيد أبو خضير من القدس.

وبعض الأساليب الأخرى التي كانت متبعة خاصة في زنازين “كفار يونا” هي اجبار الأسير على تناول الملح ورش الملح على أعيانه. ويستهوي الكثير من المحققين أن يفتحوا فم الأسير ويبصقوا داخله واجباره على ابتلاع البصاق. وذكر بعض أسرى الجولان المحتل أن المحققين كانوا يضعون الأوراق بين أصابع رجليهم ويقومون بحرقها. وتطابقت روايات الكثيرين حاول محاولات نتف الشعر المستمرة.

ابتدع المستعمر الصهيوني أساليب جديدة من التعذيب النفسي والجسدي اليوم. ومازال يمارس الكثير من الأساليب القديمة. وهذا القليل مما فعلوه، ومما استطاع من بقى حيًا من المعذبين البوح به.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s