المرأة الفلسطينية واسهامها في ميادين التحرر واستعادة الأرض المحتلة ومجابهة الرجعية والاستعمار (بقلم ليلى فايد)

نشرت أول مرة في مجلة الأخبار اللبنانية في عددها الصادر في ٢٣ حزيران ١٩٧٣. أعيد نشر الجزء الذي وجدته من المقالة والذي نشر في صحيفة الاتحاد.

إن ظاهرة المرأة الفلسطينية هي ظاهرة فريدة في الوطن العربي. ففي وقت تبقى فيه المرأة العربية عاجزة عن كسر الطوق المضروب حولها، والكبير جدًا في بعض المناطق، وفي وقت لبست فيه المرأة “الميني جيب”، وظلت أسيرة جسدها والمفاهيم العفنة، في هذا الزمن، تنتفض المرأة الفلسطينية وتحطم الأطر التاريخية التقليدية والتراكمات الغيبية المشوهة، وتقف إلى جانب الرجل، حرة التفكير والتصرف والمشاركة.

وإنه لمثير حقًا أن نجد الرجل الفلسطيني اليوم لا يعترض على ترك أخته أو زوجته او ابنته البيت ليلًا، لتمضي نحو الميدان أو الاجتماعات أو الحراسة أو حتى داخل الأراضي المحتلة.

ظروف الثورة استدعت ذلك …والمطلوب الاستفادة من كل الطاقات والقدرات.

“رغدة” و”فوزية” من مخيم عين الحلوة. سمرت بشرتهما شمس المخيمات التي لا تحجبها سوى سقوف خربة صغيرة المساحة.

قلت لهما: ما هذه البرونزية؟
قالت الأولى: “من أرض المعركة، أرض الرسالات”
وقالت الثانية: “في النضال”.

وأم العبد وناديا من مخيم شاتيلا تمردتا على كل شيء…على مؤسسة الزواج الكلاسيكية ومؤسسة العائلة واعطتهما معاني ثورية جديدة….!

الفلسطينية في المعارك

في آخر معركة للمقاومة مع الرجعية العربية في بيروت، خلال أيار الماضي، كانت الفلسطينية تنتشر في الميادين، ترد العدوان والهجمات البربرية وتحمل السلاح والامدادات وتزرع الكمائن وتحرس المواقع وتسعف المصابين وتزرع الوعي في قلوب الجميع ..

وتحت الكوفية العربية الجميلة شاهد الكثيرون منا عيونا حورية جذابة وعلى الاكتاف النحيلة أساور حديد وبارود.

ولنتعرف على ما فعلته “أم العبد” هذه السيدة الشابة ذات النفس الثوري الصادق، أثناء الأحداث، وقد قدر لها أن تشترك في أربع مناسبات نضالية هامة: أولها حزيران، وثانيها الكرامة، وثالثها أيلول الأسود، ورابعها أيار الأحمر الدامي..كانت طفلة عندما صمدت في أيلول، ومازالت صامدة قوية. أما عن أعصابها فتقول: “فولاذية لأنني أومن بوطني”.

وقالت أم العبد أيضًا: عندما كنت في مخيم “شلنار” بين “رصيفة وعمان” قاتلت، ونقلت ذخائر كثيرة، وشاركت بكل شيء. بت حينذاك لا أعرف أهلًا ولا أخوة ولا أبناء إلا ايماني بفلسطيني وقضيتي ..! وأما الآن، وبعد ممارسات عديدة صار كل شيء أسهل.

وأضافت أم العبد: يوم الأربعاء في ٢ أيار فوجئنا بتطويق المخيم الساعة الثالثة صباحًا. نزلت إلى المداخل ورأيت بأم عيني كل شيء، وعدت لأنقل الخبر إلى الجميع. وبدأت استنفر الفتيات واجمعهن. ووزعت عليهن الأدوار: واحدة على اللجنة الطبية والأخرى العسكرية وثالثة للاعلام ورابعة للتثقيف وبدأنا العمل بسرعة واستجابة فائقة.

“شرقية الرجل” تضعف …

ولكن حتى في مثل هذه الظروف تظهر شرقية الرجل ومحافظته. فمثلًا حاول ضيف على أخي اعاقتي وتخويفي. ولكن اقنعته حتى بات هو الآخر يساعدنا أيضًا. أما زوجي فلم يكن مشكلًا. فهو متمرد جدًا، حتى أنه إذا كنت أطبخ وحان موعد اجتماع لي كان يقول لي: اتركي! اسرعي إلى الاجتماع!!

وأم العبد أمية حرمت من القراءة والكتابة ولكنها عالمة جدًا بواقع الثورة ومعطيتاها ومشاكلها ومتطلباتها.

متمردة على المجتمع

وقالت “رغدة”: أنا واحدة من المتمردات على المجتمع، وأقول هذا لأنه لا بد من مبادرة أولى، فالحرية لا تقدم على طبق من فضة وإنما تؤخذ أخذًا…حتى فب ظروفنا كلاجئين ومضطهدين ومحرومين من الحقوق المدنية البسيطة، حيث الواقع يحتم على العائلة الفلسطينية أن تتحول إلى خلية عمل ثورية، ما زال هناك من يتحفظ من منطلقات تقليدية أو دينية مزيفة ومتخلفة، لكن ومهما يكن، فالخروج من القمقم الذهبي أمر ربما كان أسهل معنا من سائر الجماعات العربية الأخرى….

“التحقت بإحدى المنظمات إلى جانب دراستي الجامعية وعملي في مدرسة الغوث في مخيمنا، وحظيت بدورة تدريبية عسكرية كما أخذنا دروسا في الاسعافات الأولية”.

أما عن الأحداث فأقول: لم يقع على مخيمنا أي عدوان، إلا أننا استنفرنا تحسبًا لأي طارئ، وكان دوري تحضير المؤن الطبية والفكرية وتوزيع المراكز وأحيانًا نقل السلاح وأحيانًا أخرى حراسة ليلية وكثير من الندوات السياسية.

“إنها قصتنا ولعبة أطفالنا، وفلسطين حلمهم الأول. إنهم جيل الثورة، ولا يمكننا أن نتناساهم….”

والمرأة الفلسطينية حربية صالحة، وممرضة مخلصة ومقاتلة وزوجة، ولا شيء يعيقها عن تخطي ابعاد دورها الكلاسيكي القديم…

أما عن مستقبلها فمزيد من النضال، ومزيد من التضحيات، إلى جانب مسيرة الحياة الحتمية من زواج وأمومة وما إلى ذلك…

وفي مخيم شاتيلا، كان لنا لقاء مع “ناديا” الأحلام، بنت الـ١٩، تجيب والحمرة تعلو وجنتيها ــ ثالت ناديا: “منذ شهرين فقط تمكنت من اقناع أهلي بالعمل في عيادة المخيم، فبدأت أساعد المرضى وأداوي جراح المقاتلين وأحضر الندوات السياسية…. ومنذ سنين وأنا أعيش في هذه الأجواء، وأنا مقتنعة بها تماما، ولكن الأهل يعارضون مشاركتي من منطلق رجعي معهود وليس بالغريب عنا …. أما اليوم، وبعد أن تلقيت دورة اسعافات، أذهب في كل صباح إلى العيادة وأعود بعد عمل ٦ ساعات. أما في الأحداث بالذات فقد طبقت ما تعلمته بايمان وقناعة لا تعرفان الملل”…

فوزية لم تعرف النوم!

فوزية السمراء: مناضلة من “عين الحلوة” تشرف على عيادة تضم ١٥ فتاة. وهي متفرغة كليًا للعمل، وخبيرة بأمور التمريض منذ عام ١٩٦٨. وفوزية هذه لم تنم في الأحداث، انتظرت الواجب والمعركة، واستنفرت كل مدة الاشتباكات ولم تزل، وساعدت في كل الأمور، والمقاومة بيتها وقوتها وعملها…

أربعة من مئات وألوف الفتيات الفلسطينيات أن قلوبهن تنبض بالايمان والصمود، وكل واحدة فقدت على الأقل أحد أفراد عائلتها …وصمدن….وفي الانتفاضات القوية يصعب التمييز بين الفئات!! شعارهن جميعًا: أن النصر حليف الشعوب المناضلة!

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s